تساؤل متى نري ميلان الحقيقي

عيش نادي ميلان الايطالي لكرة القدم بين كومة من المشاكل التي تكاد لا تنتهي، فالفريق يحتل المركز الثاني عشر على سلم ترتيب الدوري الايطالي، كما جمع ثلاث نقاط فقط من مباراتين بمجموعته في الدور الاول لمسابقة دوري ابطال اوروبا بعد الفوز على مرسيليا الفرنسي، والخسارة المذلة على ارضه امام زيوريخ السويسري المتواضع.

المتابع لشؤون ميلان خلال السنوات الثلاث الماضية، يدرك ان الحالة المتردية التي وصل اليها الفريق هي نتيجة طبيعية لسياسات النادي المملوك من قبل رئيس الوزارء الايطالي سيلفيو برلوسكوني، وللمرة الاولى منذ سنوات طويلة، يتعرض ميلان لهجوم لاذع من قبل الصحافة الايطالية بسبب بخله الشديد في سوق الانتقالات الصيفية، خاصة بعد التخلي عن نجمه الاول، البرازيلي كاكا لمصلحة ريال مدريد مقابل 66 مليون يورو.

والكل يعلم ان كاكا كان بمثابة روح الفريق وقوته الضاربة، ورحيله يعني في المقام الاول اعادة ترتيب اوراق الفريق الذي اعتمد على نجمه البرازيلي السابق طوال السنوات الخمس الماضية وبشكل مفرط.

والان وقد رحل كاكا، كان لا بد لميلان البحث عن نجوم جديدة تحمل هموم انصار الفريق على اكتافها، لكن ذلك لم يحدث، وكان هناك سر يخبئه برلوسكوني وذراعه الايمن ادريانو غالياني يدفعهما لعدم انفاق الاموال التي تملا خزينة الروزونيري.

وربما يكون هذا السر قد انكشف يوم الثلاثاء عندما امرت محكمة سويسرية مجموعة "فينيفيست" التابعة لبرلوسكوني بدقع 750 مليون يورو كتعويضات لمجموعة "سي اي ار" التي تضررت بشدة اثناء محاولتها الاستحواذ على اسهم دار نشر "موندادوري".

وربما كان برلوسكوني مدركا لما سيحدث، وربما احتفظ باموال النادي كاجراء احترازي، لكن المبلغ المطلوب اكبر من صفقة كاكا بكثير، والحل الوحيد هذه الايام هو بيع النادي الذي تقدر قيمته في السوق حاليا بـ700 مليون يورو.

وهناك الكثير من مشجعي ميلان في جميع انحاء العالم يتمنون بيع النادي لمجموعة شرق اوسطية، او رجل اعمال الباني يدعى ريثارت تاثي، للخروج من الكبوات المتلاحقة لميلان والتي ادت لغضب انصاره وتدهور نتائجه على ارض الواقع.

والاهم من ذلك، ان برلوسكوني وغالياني اعتمدا لدى ادارتهما للنادي خلال السنوات الخمس الماضية على اهواء شخصية ومصالح غامضة ادت الى ارتفاع معدل اعمار الفريق والاستغناء عن مجموعة لا باس بها من المواهب الواعدة، نذكر منها الفرنسي يوان غوركوف والايطالي البرتو بالوسكي والبرازيلي ديغاو.. شقيق كاكا.

واذا اردنا التقصي اكثر من ذلك، نجد ان غالياني تعاقد مع لاعبين انتهت مدة صلاحيتهم في الملاعب مثل جيوسيبي فافالي واندريه شفتشينكو وجيانلوكا زامبروتا وايمرسون وماسيمو اودو، واصر على استمرار كاخا كالادزه وفيليبو انزاغي وكلارنس سيدورف، كما اراد بشدة اقناع قائد الفريق واسطورته باولو مالديني في تاجيل قرار اعتزاله موسما اخر، لكن الاخير احتفظ بجزء من هيبته التي تضررت في الموسمين الاخيرين واصر على ترك الكرة.

كما ان المدرب السابق كارلو انشيلوتي لعب دورا كبيرا في سقوط الفريق، حيث واصل الاعتماد على الاسماء نفسها خلال السنوات الماضية، وهو كان السبب الاساسي في رحيل غوركوف المتالق حاليا مع بوردو الفرنسي، اضافة الى الشاب بالوسكي المنتقل الى بارما.

وحتى الساحر رونالدينيو، فوصل الى ميلان بدون عصاه السحرية، وظهر تائها وبعيدا كل البعد عن مستواه المعهود، وواجه كم كبير من المشاكل مع الاعلام الايطالي الذي اتهمه بالسهر في العلب الليلية.

ويتواجد حاليا في ميلان مجموعة من اللاعبين الذين انخفض مستواهم بشكل ملحوظ خلال الموسمين الاخيرين، اهمهم قلب الفريق النابض جينارو غاتوزو، وزميله ماسيمو امبروزيني، والمهاجم ماركو بورييللو اضافة الى زامبروتا وكالادزه والحارس البرازيلي ديدا الذي يكاد يصلح لحماية عرين ناد متواضع المستوى في شرق اوروبا.

واهم لاعب في الفريق حاليا هو المايسترو اندريا بيرلو الذي تاثر من عدم وجود مساندة حقيقية من قبل زملائه، فابتعد عن "الفورمة" هو الاخر بجانب النجم البرازيلي الكسندر باتو الذي يضل طريق الشباك في الاونة الاخيرة.

ولم تنفع عودة الخبير اليساندرو نيستا واستقدام المدافع البرازيلي المتالق تياغو سيلفا في انقاذ دفاع الفريق من الاخطاء المتتالية والتي ادت لتلقي شباكه العديد من الاهداف الساذجة التي بدات تدق ابواب ميلان بعد الاصرار على اشراك مالديني كاساسي في العامين الماضيين.

وماذا عن صفقات الفريق الجديدة؟ المهاجم الهولندي كلاس يان هونتيلار تحول الى خيبة امل عريضة للجمهور، كما ان المدافع الاميركي اوجتشي اونيو لم يثري الخط الخلفي في شيء، فكانت النتائج كارثية، وعاد الاعتماد على نيستا وانزاغي.

ولعل ابرز اخطاء غالياني، كانت في التعاقد مع "صديقه" ولاعب ميلان السابق ليوناردو كمدرب للفريق رغم انعدام خبرته التدريبية، حيث برز بشكل واضح ان البرازيلي غير مؤهل لقيادة الفريق حاليا رغم مساعدة ماورو تاسوتي، ورغم مناداة الجمهور الموسم الماضي برحيل انسيلوتي، الا انه الان غير موقفه وبات لسان حاله يقول: الله يرحمك ايامك يا كارلو!!

لا نعلم متى سيبدا علاج مشاكل ميلان الفائز بمسابقة دوري ابطال اوروبا سبع مرات، ربما تكون فترة الانتقالات الشتوية هي نقطة البداية من خلال التعاقد مع اسمين او ثلاثة من العيار الثقيل وهو ما يبدو مستبعدا بوجود الثنائي المكروه برلوسكوني وغالياني الذي يدفع الان ثمن تعنته خلال محاولاته استقطاب البرازيلي لويس فابيانو والبوسني ايدن دزيكو.

وربما يكون بداية الحل في استقطاب مدرب له سمعته وخبرته مثل الايطالي لوتشيانو سباليتي مدرب روما السابق، وهداف الفريق في الثمانينيات الهولندي ماركو فان باستن، وسيكون تعيين تاسوتي كمدرب للفريق اكبر اخطاء النادي الذي يحتاج لحلول جذرية للخروج من ازماته، لا للقرارت المؤقته والمسكنات.

ويحتاج النادي ايضا للتخلي عن فكرة استعارة النجم الانجليزي ديفيد بيكام رغم عطائه اللا محدود مع الفريق في النصف الثاني من الموسم المنصرم، لان الفريق بات مطالبا بالاعتماد على اسماء جديدة شابة تسعى لفرض وحودها مثا لوكا انتونيني واغناسيو اباتي.

الوضع الذي يعيشه ميلان حاليا يثير غضب عشاقه، كما يثير حفيظة اعدائه الذين باتوا يغارون على مصلحته اكثر من برلوسكوني وغالياني، فهل نرى العجوز صاحب الفضائح المثيرة، والاصلع المتعنت خارج اروقة الروزونيري قريبا؟ هذا ما ستكشفه لنا الايام.. وكعشاق محايدين لعالم كرة القدم.. نتمنى ذلك!